القوة الناعمة السعودية... من يرسم ملامح خطابها؟ - اتش دي كورة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القوة الناعمة السعودية... من يرسم ملامح خطابها؟ - اتش دي كورة, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 01:13 صباحاً


في العادة، تقاس قوة الدول بحجم اقتصادها أو صلابة سياستها أو قدراتها العسكرية. لكن السعودية اليوم تقدم واقعا يتسع ليشمل مسارا متقدما في الثقافة والرياضة والترفيه، كمساحات تنبض بالحياة وتضيف بعدا جديدا لحضور المملكة عالميا. هنا يتحرك الفعل الوطني بثقة، وتتحرك معه قصة تحتاج إلى لغة واعية تكشف معناها.

ورغم ثراء المشهد وجرأة الفعل، يبقى سؤال جوهري
هل نروي قصتنا بالذكاء ذاته الذي ننجز به مشاريعنا؟
وهل تعبر اللغة التي نتحدث بها عن واقع التحول؟
أم أننا نحيط الإنجاز بضجيج احتفالي يفوت على العالم فهم المعنى الأعمق لما يحدث هنا؟

هذا السؤال كان البذرة الأولى لدراستي للدكتوراه حول الخطاب الصحفي لبرامج الثقافة والرياضة والترفيه في المملكة، بوصف هذا الخطاب أحد أهم أدوات القوة الناعمة اليوم. فالصورة لا تنقل فقط... بل تصنع. والقوة لا تبنى بالفعل وحده، بل بالطريقة التي يقال بها هذا الفعل للعالم.

فالصحافة ليست شاهدا جانبيا. إنها شريك في التشكيل. إن لم تحسن السرد... ضاع المعنى.

ما كشفته الدراسة أن هذه القطاعات الثلاثة - قبل أن تكون فعاليات، وبطولات، وعروضا - هي روافع عميقة تعيد بناء إدراك الفرد عن ذاته وعن وطنه، وتقدم للسعودية وجوها جديدة تقرأ العالم وتتحدث إليه بلغته.

الثقافة لم تعد واجهة تزين الهوية، بل أداة تعمقها وتعيد اكتشاف تاريخها.
والرياضة تجاوزت كونها منافسة، لتصبح مساحة تفاوض ناعمة تخلق حضورا واحتراما.

أما الترفيه، فقد خرج من عباءة «البهجة» ليتحول إلى مشروع اجتماعي واقتصادي يعيد هندسة جودة الحياة.

لكن، وبكل صدق، لسنا دوما بارعين في سرد هذه الحكاية.

نمتلك فعلا كبيرا... وخطابا لا يزال يتعثر أحيانا داخل اللغة الاحتفالية السريعة.

لغة تلمع أكثر مما تفسر.
تصف الحدث... لكنها لا تشرح دلالته.
والأخطر أن تعدد الجهات يعني غالبا تعدد القصص.
فتغدو الرواية شظايا متناثرة لا تنساب في نهر واحد.

وهنا تظهر الحاجة الماسة إلى تكامل لغوي واستراتيجي يوحد الخطاب، ويمنحه نبرة واحدة تعرف العالم بسياسة ثقافية - رياضية - ترفيهية تحكي وطنا يتحول لا وطنا يتزين.

من هنا جاءت الدعوة لإنشاء كيان تناط به مهمة صياغة قصة السعودية الناعمة.

ليس بوصفه جسدا إضافيا في بيروقراطيا الدولة، بل كيان يلتقط الخيوط المتفرقة ليحولها إلى سرد متماسك، يقرأ الداخل ويخاطب الخارج دون أن يفقد صوته المحلي.

في الدراسة اقترحت نموذجا مرنا يساعد المؤسسات على التفكير بطريقة منهجية في بناء خطابها، ليس كنصوص مكتوبة، إنما كجزء من مشروع وطني يعاد فيه تعريف السعودية عبر مفردات جديدة: ثقة، توازن، معنى.

نموذج لا يصادر التنوع، بل ينظمه؛ ولا يفرض نبرة واحدة، بل يصنع انسجاما يمنح القصة وزنا وتأثيرا.
فالقوة الناعمة ليست إعلانا جميلا، ولا حملة موسمية.
إنها قدرة على انتزاع انتباه العالم... ثم احترامه.

والاحترام لا يشترى ولا يصنع في قاعات الاحتفال، بل في العقول التي تفهم ذاتها وتحسن تقديمها.
نحن في سباق سرد، لا سباق مشاريع.
الدول لا تقاس فقط بما تفعل... بل بما تقول عن نفسها.
والسعودية تملك اليوم أرشيفا واسعا من الفعل، وتحتاج - فقط - إلى لغة دقيقة، ممتدة، تليق بما يحدث على أرضنا، إننا نكتب تاريخا جديدا.

والقصة التي لا تروى... لا ترى.
والخطاب الذي لا يفكر... لا يؤثر.
نريد خطابا يهدأ ليشرح، لا ليحتفل فقط. يعلم ولا يلمع.
يفتح نوافذ لا مجرد عناوين.

إن المملكة لا تبني منشآت فقط... بل تبني معنى. ولا تصنع حدثا... بل تكتب سردية. وهذه السردية، إن نضجت لغتها، لن تكون مجرد قوة ناعمة... بل قوة تبقى.

layla636@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق