المشاهدات التلفزيونية في السعودية: الأرقام تدحض الأوهام - اتش دي كورة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المشاهدات التلفزيونية في السعودية: الأرقام تدحض الأوهام - اتش دي كورة, اليوم الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 10:57 مساءً

لطالما اعتبر التلفزيون في المملكة العربية السعودية سيد الشاشات بلا منازع، وظلت صورة المشاهدة التلفزيونية الكثيفة هي السائدة في الأذهان، مدعومة بالافتراضات العامة والترويج الإعلامي الذي يحركه العائد الإعلاني. وقد رسخ هذا الافتراض صورة مفادها بأن الشاشة الصغيرة ما زالت تحظى بنسبة مشاهدة طاغية ومتزايدة، وأنها المصدر الأهم والأكثر تأثيرا في حياة المواطن السعودي.

لكن مع التطور الهائل في المشهد الإعلامي والتحول الرقمي السريع الذي تشهده المملكة، تشير الأرقام الحديثة - التي تعد المقياس الأصدق والأقرب إلى الواقع - إلى وجود فجوة متزايدة بين ذلك «الوهم» المتصور سابقا و»الواقع» الرقمي الملموس في الحاضر والمستقبل.

الأرقام في ميزان الحقيقة وانهيار الأوهام

في مواجهة الرواية الشائعة التي لا تخلو من المبالغة في تقدير حجم المشاهدة التلفزيونية التقليدية، تقف الأرقام لتقدم شهادتها الدقيقة وغير القابلة للتأويل، كاشفة عن تحول جذري في عادات الاستهلاك الإعلامي والإعلاني على حد سواء.

تظهر التقارير والبيانات العالمية تراجعا في الوقت المخصص للبث التقليدي عبر الأقمار الصناعية (Satellite)، في ظاهرة عالمية واضحة. ويتمثل الدحض الأكبر لوهم «سيادة التلفزيون» في النمو الهائل لخدمات البث المباشر (Streaming) والفيديو عند الطلب (VOD)، ومنصات الاشتراك المدفوع (SVOD).

ومن أبرز الأمثلة على ذلك الأداء القوي لمنصات البث المحلية والإقليمية: مجموعة قنوات التلفزيون السعودي (SBC)، ومجموعة قنوات مركز تلفزيون الشرق الأوسط (MBC)، ومجموعة قنوات روتانا، ومنصة «شاهد» وغيرها، التي حققت نموا كبيرا في عدد المشتركين والإيرادات. وهذا يعكس تحولا في ثقافة المشاهدة من «ما يعرض على المشاهد» إلى «ما يختاره المشاهد متى شاء».ولا يقتصر التحدي على المنصات التقليدية، بل يمتد إلى أنماط جديدة لاستهلاك المحتوى القصير. إذ تظهر الإحصاءات أن معدل استهلاك البيانات الفردي في المملكة يعد من بين الأعلى عالميا، مما يعني أن جزءا كبيرا من وقت الفراغ يخصص لتصفح الإنترنت ومقاطع الفيديو القصيرة، بدلا من المتابعة التقليدية للقنوات التلفزيونية.

أبرز العوامل والدوافع وراء تحولات المشاهد

يمكن إيجاز العوامل والدوافع الرئيسية وراء هذا التحول الجذري فيما يلي:

1- التحكم والحرية:

انتقل المشاهد من الجدول الزمني المعد سلفا إلى العرض عند الطلب. فقد أصبح نموذج الفيديو حسب الطلب (VOD) العامل الأبرز في تغيير عادات المشاهدة؛ إذ لم يعد المشاهد مستعدا لضبط ساعته لمتابعة برنامج معين، بل أصبح يفضل المرونة ويتجنب فترات الانتظار والتكرار في المحتوى أو الإعلانات.

2- تطور البنية التحتية الرقمية:

أسهمت جهود المملكة في تطوير البنية التحتية الرقمية بدور محوري في هذا التحول. فالانتشار الواسع لشبكات الألياف البصرية (Fiber Optics) وتقنيات الجيل الخامس (5G) خلق بيئة مثالية لاستهلاك المحتوى عالي الجودة عبر الإنترنت دون انقطاع وعلى مدار الساعة.

3- المحتوى المخصص والتفاعل:

تتفوق المنصات الرقمية في تحليل سلوك المستخدمين عبر البيانات الضخمة، وتقديم محتوى مخصص يلائم اهتماماتهم الفردية. كما سمحت الطبيعة التفاعلية لوسائل التواصل الاجتماعي بظهور «المشاهد المشارك»، بخلاف العلاقة أحادية الاتجاه التي تقدمها القنوات التلفزيونية التقليدية.

مستقبل التلفزيون التقليدي وتحديات البقاء

لم يعد السؤال المطروح هو: هل سيبقى التلفزيون؟ بل: كيف سيتغير التلفزيون ليستمر في البقاء؟لقد شهدت السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا في متابعة شاشات التلفزيون التقليدية في ظل صراع محتدم مع المنصات الرقمية.

ينبغي على المؤسسات التلفزيونية أن تتعامل مع المنصات الرقمية بوصفها امتدادا طبيعيا لا منافسا. فالنجاح سيكون حليف القنوات التي تنقل مكتباتها إلى الإنترنت وتبني حضورا قويا على (يوتيوب) والمنصات المماثلة للوصول إلى جيل الشباب.ومع ذلك، ستظل القنوات التقليدية الخيار الأبرز في مجالات الأخبار العاجلة والبث المباشر للأحداث الوطنية والرياضية الكبرى، وهي مجالات تتطلب تغطية فورية وواسعة، وتمثل الورقة الأقوى لبقاء التلفزيون التقليدي، خصوصا في اللقاءات العائلية والاجتماعية في المناسبات والأوقات المحددة.

اقتصاديات الاستثمار الإعلامي والإعلاني

لم يعد ممكنا الاعتماد على تقديرات المشاهدة غير الدقيقة لتحديد حجم الاستثمار الإعلامي والإعلاني. لذا يجب تبني نماذج قياس شفافة تعكس القيمة الحقيقية للمشاهدة عبر القنوات والمنصات المختلفة، مع تعزيز الاستثمار في الإنتاج الإعلامي المتميز والمحتوى الرقمي القادر على جذب المشتركين والمعلنين معا.وفي هذا الإطار، جاءت الشركة الإعلامية للتصنيف (Media Rating Company) كشريك استراتيجي سعودي لصناع الإعلام والإعلان، تحت إشراف هيئة تنظيم الإعلام، لسد الفجوة بين المبالغة والندرة في تقدير الأرقام، من خلال قياس المشاهدات التلفزيونية التقليدية وغير التقليدية «ثانية بثانية».

تشير أحدث تقارير الشركة إلى تراجع نسبة المشاهدة التقليدية إلى 49%، مقابل ارتفاع المشاهدة الرقمية إلى 51% من إجمالي المشاهدات التلفزيونية في السعودية لعام 2025م، ما يعكس تفوق المحتوى الرقمي غير التقليدي على نظيره التقليدي، باستثناء مواسم الذروة مثل رمضان والمناسبات الوطنية والعطلات الرسمية.ويقدم هذا القياس بيانات دقيقة وموثوقة تساعد صناع الإعلام والإعلان على بناء قراراتهم الاستثمارية وفق أسس علمية واقعية.

بين الوهم والحقيقة: نحو مشهد إعلامي متجدد

يظهر التحليل الرقمي الدقيق للمشهد الإعلامي في السعودية تجاوز مرحلة «وهم السيادة» للتلفزيون التقليدي أمام المنصات الرقمية، باستثناء فترات محددة.لقد اختار المشاهد السعودي - بوعي وحرية - شاشته المفضلة، ومحتواه المفضل، وتوقيته المناسب. ففي بعض الأحداث الكبرى كاليوم الوطني أو المواسم الرمضانية أو البطولات الرياضية، تتحول المشاهدة إلى:- المشاهدة الفورية المباشرة: تتراوح بين 81% و94%.- المشاهدة المسجلة خلال اليوم نفسه أو خلال أسبوع: بين 6% و19%.

وعادة ما تكون نسب المشاهدة المؤجلة خلال اليوم الواحد أعلى (بين 94% و97%)، في حين تنخفض النسبة خلال الأسبوع التالي إلى ما بين 3% و6% على أقصى تقدير.الخلاصة، هل ستختفي المشاهدة التلفزيونية التقليدية؟الإجابة: لا، لكنها ستخضع بلا شك لمرحلة تطور قسري أو ربما قهري.

وسيكون البقاء للقنوات التي تتبنى استراتيجيات الشاشات المتعددة، وتستثمر في المحتوى النوعي المتميز، وتستند إلى بيانات دقيقة وحقائق موثوقة لقياس نسب المشاهدة، بما يضمن لها تحقيق عوائد استثمارية وإعلانية مجزية.ويتحقق ذلك عبر الاستمرارية في إنتاج مادة إعلامية جاذبة، قادرة على تحقيق أكبر حجم من المشاهدة بمختلف الوسائط، مما يعزز الثقة في الاستثمار الإعلاني ويتيح بناء ميزانيات مدروسة تضمن أفضل العوائد الممكنة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق