نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل نمو الأبناء طبيعي؟ - اتش دي كورة, اليوم الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 10:57 مساءً
شهدت السنوات الأخيرة تغيرات اجتماعية وصحية أثرت بشكل مباشر على النمو الطبيعي للأطفال، بعدما بدأت أنماط الحياة الحديثة تفرض واقعا جديدا تتحكم فيه التكنولوجيا، والعادات الغذائية غير المتوازنة، وقلة الحركة، والسهر المتكرر، وكل هذه التحولات أدت بدورها إلى اضطراب في النظام الهرموني والجسدي للأطفال، وأصبحت تمثل تحديا حقيقيا أمام النمو السليم الذي يعتمد في الأساس على التوازن بين الغذاء والنوم والنشاط البدني، واستقرار الحالة النفسية.
ولا شك أن العوامل التي تتحكم في النمو الطبيعي عند الأطفال تتوزع بين ما هو وراثي، وبيئي، وسلوكي، فالعوامل الوراثية تحدد الإطار العام لطول الطفل وشكله وبنيته، بينما يأتي الغذاء والنوم والنشاط البدني ليكملوا الصورة، فالغذاء الصحي المتوازن والألبان والفواكه والخضراوات والبروتينات تلعب دورا أساسيا في تغذية الخلايا ودعم إفراز الهرمونات المسؤولة عن النمو، وفي مقدمته هرمون النمو الذي يعد الركيزة الأساسية في بناء جسم الطفل منذ سنواته الأولى.
وكما أشرت يعد النوم الصحي وجودته من العوامل المهمة في نمو الأطفال، فالجسم خلال النوم يقوم بعمليات الترميم والإصلاح الذاتي، ففي ساعات الليل الأولى يفرز هرمون النمو بشكل أكبر، مما يساعد الطفل على زيادة الطول وتحسين البنية العضلية والعظمية، عكس السهر الطويل وقلة النوم فيربكان هذا النظام الحيوي الدقيق، ويؤديان إلى خلل في إفراز الهرمونات، وبالتالي تباطؤ النمو، وضعف التركيز، والإجهاد المستمر، كما لا يقل النشاط البدني أهمية عن الغذاء والنوم، إذ تشير الدراسات إلى أن ممارسة الرياضة لمدة لا تقل عن ثلاثين دقيقة يوميا، تحفز إفراز هرمون النمو وتنشط الدورة الدموية، مما يسهم في بناء عضلي وعظمي سليمين.
ويلعب الجانب النفسي والاجتماعي دورا خفيا لكنه بالغ الأثر في نمو الأطفال، فالقلق المستمر أو التوتر الأسري أو المقارنة السلبية مع الآخرين، قد تؤثر في الجهاز العصبي وتقلل من فاعلية الهرمونات المسؤولة عن النمو، كما أن غياب الأمان العاطفي يعد من العوامل التي قد تؤدي إلى تباطؤ النمو، حتى وإن توفرت العوامل الجسدية الأخرى، إذ إن الأطفال يحتاجون إلى بيئة داعمة تشجعهم على النشاط والثقة بالنفس وتوفر لهم الشعور بالراحة والاهتمام.
والواقع أن مشكلات النمو قد تظهر في صورة قصر في القامة، أو بطء في زيادة الطول والوزن، أو ضعف في الكتلة العضلية، أو بقاء ملامح الوجه طفولية، وتأخر تغير مقاسات الملابس، كما قد يعاني بعض الأطفال من الخمول المستمر، وضعف التركيز، وتساقط الشعر، والشعور بالإحباط أو النقص مقارنة بأقرانهم.
ولا شك أن الأجهزة الذكية فتحت أمام الأطفال أبوابا واسعة للمعرفة والاكتشاف، فقد تحول الهاتف أو الجهاز اللوحي إلى مكتبة رقمية ومصدر للتعلم والتسلية، ولكن الوجه الآخر لهذا الانفتاح الرقمي يكشف عن آثار مقلقة على النمو الجسدي والعقلي والنفسي وخصوصا عندما يفقد الأهل زمام التوجيه والرقابة، فحين يقضي الطفل ساعات طويلة في الجلوس أمام الشاشة، فإن جسده يدفع الثمن بصمت، فقلة الحركة تعني ضعفا في العضلات وتراجعا في اللياقة، إضافة إلى مشكلات السمنة التي أصبحت شائعة بين الأطفال الرقميين، كما أن الإفراط في استخدام الأجهزة لا يسرق فقط الوقت بل يسلب الطفل توازنه النفسي، فالعزلة الرقمية تولد شعورا بالوحدة، والألعاب المليئة بالعنف تغذي القلق والتوتر، ومع الوقت يتحول الارتباط بالجهاز إلى إدمان سلوكي يصعب التخلص منه، فيفقد الطفل رغبته في التواصل الواقعي مع أسرته وأقرانه، وكل ذلك قد يؤثر على نموه بشكل كبير.
الخلاصة: إن ما يحتاجه جيل اليوم هو نمط حياة صحي متكامل يعيد التوازن إلى أجسامهم، فنومهم المبكر، وغذاؤهم السليم، وممارستهم اليومية للرياضة، وتقنين استخدام الأجهزة هي أركان صحية قادرة على صنع فارق كبير في حياتهم ومستقبلهم، وعلى الأسر أن تدرك أن كل سلوك صحي صغير اليوم، هو خطوة كبيرة نحو غد أفضل وأكثر توازنا.










0 تعليق