الحوكمة ليست ورقا.. كيف تقود "الحوكمة الفعالة" تحولا مؤسسيا؟ - اتش دي كورة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحوكمة ليست ورقا.. كيف تقود "الحوكمة الفعالة" تحولا مؤسسيا؟ - اتش دي كورة, اليوم الاثنين 3 نوفمبر 2025 09:53 مساءً

لوقت طويل، ارتبط مفهوم "الحوكمة" في أذهان الكثيرين بالبيروقراطية المفرطة، والسياسات الجامدة، والإجراءات التي تهدف إلى الالتزام بالأنظمة واللوائح وتجنب المخالفات أكثر من تحقيق الهدف الرئيسي ألا وهو "النمو المستدام"، إذ تهدف الحوكمة في حقيقة الأمر إلى تحقيق الاستدامة الاقتصادية - أي ارتباط الربح باستمرارية الكيان الاقتصادي واستقراره وتحقيق العوائد بتكلفة معقولة -، حيث إن هناك علاقة طردية بين جودة الحوكمة ودرجة الأداء الاقتصادي للمنظمة، فالمنظمات التي تتمتع بحوكمة جيدة، لديها مديرون وموظفون من ذوي الكفاءة، وتتعامل بصورة أكثر شفافية، وتعمل على تخفيف المخاطر المحتملة إلى أقل حد ممكن، وتراعي ثقافة القيم الأخلاقية وتنميتها داخل المنظمة، وبالنتيجة تحسين الأداء المالي والحد من الفساد والهدر، وتعزيز ثقة المستثمرين وزيادة جاذبية الاستثمار، بالإضافة إلى تحسين القدرة التنافسية.

رغم ذلك، يشير الواقع العملي إلى أن التزام المنظمات بمبادئ الحوكمة لا يعني بالضرورة ضمان فعاليتها، وعليه فإن السؤال الأهم اليوم ليس: هل تطبق الحوكمة؟ بل، هل تؤثر بها؟ هل تراها جزءا من استراتيجيتك؟ أم مجرد التزام شكلي؟

الحقيقة إن أكثر المنظمات نجاحا ليست تلك التي تطبق مبادئ الحوكمة فحسب، وليست تلك التي تلتزم بالسياسات والإجراءات الداخلية فقط، بل التي تحول الحوكمة إلى تأثير، إلى أسلوب عمل، إلى ثقافة ذات قيمة مضافة.

ومن المهم معرفة أن سياسات وإجراءات الحوكمة ومدى تأثيرها قد تختلف باختلاف حجم المنظمة وعملياتها ونموذج أعمالها. ومع ذلك، أرى أن هناك عدة عوامل مشتركة تسهم عادة في الحوكمة الفعالة وتدعم التحول المؤسسي بما في ذلك النقاط التالية:

أولا: تبدأ الحوكمة الفعالة من أعلى الهرم الإداري - أي مجلس الإدارة -، حيث ينبغي أن يؤدي المجلس ولجانه التابعة مسؤولياتهم الرقابية بفعالية واستقلالية، وأن يكون دورهم دورا إيجابيا يتجاوز مجرد مراجعة التقارير الدورية ليشمل توفير التوجيه الاستراتيجي، والمساءلة، والتأكيد على أهمية الحوكمة والالتزام، ومن هنا يأتي دور أمين السر الهام جدا كركيزة أساسية للحوكمة وعامل تمكين رئيسي يساعد المجلس ولجانه التابعة على أداء مهامهم الرقابية والاستراتيجية باستقلالية وكفاءة ونزاهة وضبط إيقاع العمل بين الإدارة التنفيذية والمجلس ودعم القرارات لحظة بلحظة، ويشمل هذا الدور أمورا عدة من أهمها: (أ) وضع جدول أعمال جيد يعطي الأولوية للمواضيع الأكثر صلة باحتياجات المنظمة خلال مرحلتها الانتقالية لضمان اجتماعات مثمرة وفعالة، (ب) القدرة على تقديم الرأي الصحيح في الوقت المناسب وإيصال المعلومات بوضوح، (ج) المتابعة المستمرة لضمان تنفيذ المهام المطلوبة ضمن الجداول الزمنية المتفق عليها وتسهيل التنسيق بين المجلس والإدارة التنفيذية، (د) دعم عمليات اتخاذ القرار وتعزيز المساءلة في جميع أنحاء المنظمة.

ثانيا: حتى تثمر الحوكمة، يجب أن يكون هناك أهداف مؤسسية واضحة وقابلة للقياس تشمل ما هو أبعد من النتائج المالية، على سبيل المثال، هل نقيس التحول الثقافي؟ هل نتابع التقدم في الرقمنة؟ هل نربط الأداء بالاستدامة؟ وغيرها من أهداف، وللرئيس التنفيذي هنا دور قيادي بالغ الأهمية وحلقة وصل بين الأهداف الاستراتيجية وترجمتها في العمليات اليومية، ويعد هذا النهج، أي وضع أهداف مؤسسية واضحة نهجا أساسيا لتحقيق التحول المؤسسي المطلوب، مع أهمية مراقبة التنفيذ والأداء لهذه الأهداف وتقويمها بشكل منتظم مع مجلس الإدارة.

ثالثا: ولأن كل هذا لا يكفي دون تطبيق فعلي، فإن وجود إدارة مستقلة للحوكمة والمخاطر والالتزام (GRC) هو ما يجعل الحوكمة حاضرة في واقع العمل اليومي، حيث تمثل هذه الإدارة حلقة الوصل التشغيلية والتنظيمية التي تربط بين الأهداف الاستراتيجية للشركة ومستوى تعرضها للمخاطر والمتطلبات القانونية والتنظيمية، كما تضمن وجود سياسات وإجراءات واضحة، وأدوات رقابة فعالة، وثقافة امتثال راسخة، وتشمل مسؤولياتها الرئيسية تقديم التدريب والتوعية للموظفين، وتعزيز القيم والسلوك الأخلاقي داخل المنظمة، وترسيخ الشفافية من خلال آليات إبلاغ آمنة وسرية تحمي المبلغين عن المخالفات، وهي جميعها أمور أساسية لبناء ثقافة الحوكمة.

الحوكمة الفعالة ليست مجموعة قرارات تتخذ، بل سلوك مؤسسي يبدأ من القمة ويتجذر في جميع المستويات.

ختاما، لقد أثبتت التجربة أن الحوكمة الفعالة لا تنجح إلا حين تكون جزءا من ثقافة المؤسسة، لا ملفا تنظيميا يراجع في نهاية كل ربع. هذا هو التحدي.. وهذه هي الفرصة

أخبار ذات صلة

0 تعليق