نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من يوجه الدولة... ومن يوجه السوق؟ - اتش دي كورة, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 01:45 صباحاً
حين نحكم على نضج الدول، فإننا لا ننظر إلى حجم اقتصادها أو عدد مؤسساتها فقط، بل إلى قدرتها على التوجيه والتوازن بين سلطاتها المختلفة.
وبالمثل، حين نحكم على نضج الأسواق، فإننا ننظر إلى قدرتها على التنظيم والحوكمة لا على حجم السيولة أو عدد المستثمرين. فالدولة والسوق وجهان لعملة واحدة... وكلاهما لا ينجح إلا حين يدار ببوصلة واحدة: الحوكمة.
الدولة والسوق.. منطق واحد بأسماء مختلفة
في الدولة نعرف أن السلطات ثلاث:تشريعية تنظيمية تضع القوانين، تنفيذية تدير السياسات، ورقابية تضمن العدالة والمساءلة.
وفي السوق المالية يحدث الشيء نفسه تماما، ولكن بأسماء مختلفة:
- هيئة السوق المالية تمثل السلطة التنظيمية التي تضع القواعد والمعايير.
- الشركات المدرجة والإدارات التنفيذية تمثل السلطة التنفيذية التي تدير وتنفذ.
- الرقابة والمراجعة الداخلية والمراجعون الخارجيون يمثلون السلطة الرقابية التي تراجع وتصحح.
رؤية 2030... مشروع حوكمة وطنية
منذ انطلاق رؤية السعودية 2030 بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بدأنا نرى تحولا جوهريا في طريقة إدارة الدولة ومؤسساتها، تحولا يقوم على الحوكمة، والشفافية، والمساءلة، والفعالية. فالرؤية لم تحدث فقط إصلاحات اقتصادية، بل أعادت تصميم مؤسسات الدولة لتعمل وفق قواعد حوكمة حديثة: وضوح في المسؤوليات، استقلال في السلطات، وربط مباشر بين الأداء والمساءلة.
وما نراه اليوم من تناغم بين مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهيئة السوق المالية، والبنك المركزي السعودي،هو ترجمة عملية لهذه الفلسفة التي تبناها سموه، فكل جهة تؤدي دورها بدقة ضمن منظومة واحدة تسير نحو هدف واضح.
السوق كدولة مصغرة
السوق القوية ليست تلك التي تشهد نشاطا مضاربيا عاليا، بل التي تعرف من يوجهها، ومن يديرها، ومن يراجعها.فحين تغيب الحدود بين هذه الوظائف، يختلط القرار التنظيمي بالمصلحة التجارية، وتضيع البوصلة بين ما يخدم السوق وما يضرها. إن وضوح الأدوار بين الهيئات التنظيمية والرقابية في السعودية اليوم يمثل نموذجا متقدما في حوكمة الاقتصاد الوطني. فالمؤسسات لم تعد كيانات منفصلة، بل منظومة متكاملة تحكمها مبادئ واحدة من رأس الهرم إلى قاعدة السوق.
استقلال المؤسسات... ضمانة الثقة
القوة الحقيقية لأي اقتصاد لا تأتي من سلطة واحدة تفرض قراراتها، بل من توازن مؤسساتي يجعل القرار الاقتصادي نتيجة حوار منظم بين جهات مستقلة تتكامل أدوارها. فهيئة السوق تنظم، والبنك المركزي يراقب، وهيئة المنافسة تحمي، والمراجعة تصحح، وكلها تعمل بروح «الحوكمة» التي دعا إليها ولي العهد في كل مؤسسات الدولة: وضوح، مساءلة، وشفافية.
ختاما، من يوجه الدولة يضع قوانينها، ومن يوجه السوق يضبط إيقاعها، لكن كليهما لا ينجح إلا إذا وجدت منظومة حوكمة تحمي من الانحراف وتعيد التوازن عند الأزمات. لقد تحولت رؤية 2030 من برنامج إصلاحي إلى نموذج للحوكمة الحديثة، حيث أصبح وضوح الدور وتكامل المؤسسات هو القاعدة الجديدة في إدارة الدولة والسوق معا.
فالدولة بلا حوكمة كالسفينة بلا بوصلة، والسوق بلا استقلال مؤسسي كالموج بلا شاطئ.وحين تتكامل حوكمة الدولة مع حوكمة السوق، تتحول الثقة من شعار إلى ميزة وطنية سعودية خالصة.
hatimbarajjash@











0 تعليق