الدواء ليس سلعة.. بل مسؤولية - اتش دي كورة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدواء ليس سلعة.. بل مسؤولية - اتش دي كورة, اليوم الخميس 6 نوفمبر 2025 03:37 صباحاً


في زحمة الحياة اليومية، صار الدواء جزءا من روتيننا العادي، كبقية تفاصيل يومنا. لكن القليل فقط يدرك أن تناول الدواء ليس عملا بسيطا كما يبدو. إنه مسؤولية تبدأ من لحظة وصف الطبيب له، ولا تنتهي إلا حين يستخدم بالطريقة الصحيحة. فالدواء يمكن أن يكون وسيلة للشفاء... أو بداية لمشكلة أكبر، إن غاب الوعي أو حضرت العشوائية.

في كل بيت تقريبا، هناك علبة أدوية تضم ما تيسر من أقراص ومسكنات ومضادات حيوية. البعض يحتفظ بها «لوقت الحاجة»، وآخرون يتبادلونها فيما بينهم بحسن نية. «هذا الدواء جربته ونفعني» أصبحت جملة مألوفة نسمعها كثيرا، لكنها في الواقع تحمل خطرا لا يستهان به.

إن التثقيف الدوائي لا يعني أن نحفظ أسماء الأدوية أو نعرف شكلها، بل أن نفهم كيف نستخدمها، ومتى نتوقف عنها، ومتى نطلب المساعدة الطبية. هذا الفهم البسيط قد ينقذ حياة إنسان. فكم من مريض تأخر شفاؤه لأن جرعة الدواء لم تؤخذ كما يجب، وكم من آخر تدهورت حالته بسبب التوقف المفاجئ أو الخلط بين الأدوية دون استشارة الطبيب أو الصيدلي.

تشير تقارير هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) إلى أن سوء استخدام الدواء سواء بالجرعات الخاطئة أو الجمع بين أدوية متعارضة، يسهم في آلاف حالات الطوارئ سنويا. ويقدر أن أكثر من 1.3 مليون شخص في الولايات المتحدة يدخلون المستشفيات كل عام بسبب آثار جانبية يمكن تجنبها لو استخدم الدواء بطريقة صحيحة.

لكن ماذا عن واقعنا المحلي؟
في المملكة العربية السعودية، تكشف الأرقام الصادرة عن الهيئة العامة للغذاء والدواء (SFDA) أن مركز البلاغات الوطني استقبل أكثر من 173 ألف بلاغ عن آثار جانبية للأدوية خلال النصف الأول من عام 2024، وهو رقم يعكس زيادة ملحوظة في وعي الناس بالإبلاغ، لكنه في الوقت نفسه يظهر حجم التحدي الذي ما زال قائما.

دراسات محلية حديثة أوضحت أن ما يعرف بـ(Adverse Drug Events ADEs) في المستشفيات السعودية تتراوح نسبتها بين 1.6% إلى 84.8% حسب نوع الدراسة والمنهجية، ما يدل على أن جزءا كبيرا من تلك المشكلات مرتبط بالاستخدام غير الأمثل للأدوية سواء في صرفها، أو تناولها، أو تخزينها.

كما أظهرت دراسة أخرى أن 81.4% من البالغين السعوديين استخدموا أدوية من تلقاء أنفسهم في مرحلة ما من حياتهم، وهو رقم يدق ناقوس الخطر حول انتشار ظاهرة «التداوي الذاتي».

هذه الأرقام ليست مجرد بيانات جامدة، بل رسائل واضحة تقول لنا: ما زال الوعي الدوائي بحاجة إلى تعزيز. فالمسألة لا تتعلق فقط بوصف الطبيب أو صرف الصيدلي، بل بكيفية استخدامنا نحن للأدوية داخل بيوتنا.

من الأمثلة على الأدوية المعتمدة من الـFDA والتي تستخدم يوميا حول العالم:

  • الباراسيتامول (Paracetamol): مسكن للألم وخافض للحرارة، لكن زيادته قد تسبب تسمما في الكبد.
  • الإيبوبروفين (Ibuprofen): فعال لتسكين الألم والالتهابات، لكنه يضر المعدة عند الإفراط أو تناوله على معدة فارغة.
  • الأموكسيسيلين (Amoxicillin): مضاد حيوي واسع الاستخدام، لكنه يفقد فعاليته ويزيد مقاومة البكتيريا عند استخدامه دون وصفة.
  • الميتفورمين (Metformin): دواء فعال لمرضى السكري من النوع الثاني، يحتاج متابعة طبية منتظمة لضبط الجرعة.
  • اللوسارتان (Losartan): أحد أدوية ضغط الدم، يعمل بفعالية كبيرة لكنه قد يسبب انخفاضا حادا في الضغط إذا تم تناوله بجرعة غير مناسبة.
كل هذه الأدوية آمنة حين تستخدم بوعي، لكنها قد تصبح خطرا إذا أسيء استخدامها. فالدواء ليس سلعة تجارية، بل عهد بينك وبين صحتك، يحتاج إلى وعي وانتباه في استخدامه.

ولعل الخطأ الأكبر الذي يقع فيه البعض هو التوقف عن تناول الدواء بمجرد الشعور بالتحسن، خصوصا في حالات الالتهابات أو الأمراض المزمنة. الجسم قد يتحسن مؤقتا، لكن العدوى أو المرض يظل قائما، ليعود لاحقا بشكل أشد.

الدور الأكبر في الوقاية من هذه الأخطاء يبدأ من المريض نفسه. الطبيب يصف، والصيدلي يشرح، لكن الاستخدام الصحيح مسؤولية شخصية. قراءة النشرة المرفقة، والالتزام بالمواعيد، وعدم مشاركة الدواء مع الآخرين، كلها سلوكيات بسيطة لكنها تصنع فرقا كبيرا.

كما أن الدور التوعوي الذي تقوم به الجهات الرقابية في مملكتنا الحبيبة جدير بالثناء، إذ تحرص على التأكد من جودة الأدوية المتداولة وسلامتها، ومتابعة السوق للحد من تداول الأدوية غير المرخصة أو المقلدة. هذه الجهود رفعت مستوى الأمان الدوائي داخل المملكة بشكل لافت، وجعلت المستهلك أكثر ثقة بما يستخدمه من علاج.

ومع ذلك، يبقى المريض هو خط الدفاع الأول. فوعي الفرد هو السلاح الأقوى في مواجهة الأخطاء الدوائية. إذا تعلمنا كيف نستخدم الدواء بعقل، سنقلل من الأخطاء، ونحافظ على صحتنا وصحة من نحب.

في النهاية، لا يوجد دواء «آمن تماما» ولا دواء «خطر دائما»، هناك فقط استخدام صحيح واستخدام خاطئ.

لذلك، تذكر دائما أن الدواء لا يعمل وحده... بل يعمل مع وعيك.

أخبار ذات صلة

0 تعليق