ليت زمن الطيبين لا يعود! - اتش دي كورة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ليت زمن الطيبين لا يعود! - اتش دي كورة, اليوم الاثنين 3 نوفمبر 2025 09:53 مساءً

يقولون عنه «زمن الطيبين» ولكن لم يكن يخلو من سارق وقاطع طريق، ويقولون «آه يا زمن أول.. ما أحلاك!» وكأن الزمن القديم كان منتجع خمس نجوم فيه الناس تمشي مبتسمة والخير يوزع مع كل إشراقة شمس. نعم، كانوا كذلك وكان الماضي جميلا، ولكن الأجمل فيه ليس هو نفسه... بل الحنين إليه! ذلك الشعور الدافئ الذي يجعلنا نرى الفقر بطولة ومصالحة مع الواقع لا أكثر واعتيادا على الجوع والفاقة، ويرون في الغبار تراثا رغم أن الرئتين ملتهبتين طوال العام، ويرون أن انقطاع الكهرباء فرصة رومانسية للنظر إلى القمر بدل شاشة التلفاز التي لم تكن موجودة أصلا، وكان الملل سيد الموقف لدرجة أن الناس تقاوم النعاس قبل الساعة الثامنة مساء!

يحدثونك عن طيبة الناس في الماضي، وأن الجار كان يدخل بيت جاره بلا استئذان، وكأن الباب لم يخلق أصلا. لكن ما لا يقال إن الجار كان يدخل أحيانا ليأخذ من بيتك السكر، أو البصل، أو حتى الراديو الوحيد في الحارة. كانت الطيبة صافية، نعم، لكنها ممزوجة بحاجات مشتركة... فالجميع كانوا فقراء بما يكفي ليكونوا لطفاء!

أما التراث، فحدث ولا حرج. أزياء ثقيلة في الصيف ملوثة بالغبار، وبيوت من الطين في عز المطر مهددة بالسقوط بأي لحظة «نسينا سنة الغرقة؟»، وأكلات تحتاج مجهودا في إيجادها ثم في مضغها ثم في إخراجها كأنك في معسكر تدريبي. ومع ذلك، كنا نسميها «بساطة». اليوم لو انقطعت الكهرباء خمس دقائق، نعتبرها «نهاية العالم»، بينما في الماضي كان انقطاعها خبرا يوميا لا يثير حتى العجب، كانت الحياة تعبا غير ممزوجة بالمتعة لكن تذكرها الآن يثير المتعة فقط واسألوا «الطيبين عنها».

ثم لا تنسَ الجانب المظلم للماضي، أو بالأحرى، المظلم فعلا والمظلم مجازا، أما الظلم فعلا، فقد كانت الإنارة من فوانيس الكيروسين، والمذاكرة ألما والاتصال بالعالم الخارجي يتم عبر رسائل تصل بعد شهر - هذا إذا لم تضل طريقها مع البريد الذي يعرفك بالاسم لكن لا عنوان بريدي -، وكنا نرسل أشرطة الكاسيت صوتيا لأبنائنا في الخارج، أما المظلم مجازا، فكانت الأخبار لا تأتي إلا عن طريق راديو متهالك أو لا تأتي أصلا.

الماضي جميل لأنه ذكريات فحسب، وإلا فإنك لن تطيق أن تعيش في الحياة نفسها يوما واحدا لدرجة أن من يخيم بالبر الآن يشترط وجود الإنترنت، ومن يفكر في السفر لبلد نامٍ يفكر في وسائل النقل، ومن يتهور ويفعل ذلك فإنه لا يصبر على ذلك سوى عدة أيام، لكن لا يستغني عن كاميرا حديثة تسجل بضعة أيام تحمل فيها انقطاع الإنترنت عنه!

أجمل ما في الماضي إذن... هو أنه انتهى حتى صار لوحة حنين نعلقها على الجدار ونبكي أمامها كلما حدث لنا انقطاع عن العالم بأي شكل من الأشكال لكننا لا نطيق صبرا ولا حظ له منا إلا رفع مذكرة شكوى أولا، وإن عاد تذكرنا أيام الماضي الجميل! نحن لا نريد أن نعيش الماضي فعلا، نحن فقط نريد أن نحكي عنه ونحن جالسون في مقعد مكيف، أمام شاشة 4K، متصلين بالواي فاي، ونغرد قائلين «آه يا زمن أول، وينك؟!».

أخبار ذات صلة

0 تعليق