اتش دي كورة

الرياض وإعادة دمشق للعالم - اتش دي كورة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرياض وإعادة دمشق للعالم - اتش دي كورة, اليوم السبت 8 نوفمبر 2025 06:17 مساءً

التحالفات لا تدوم. والأشخاص زائلون، رؤساء وزعماء. الشعوب هي التي تبقى، والدول كذلك. والتجارب كثر في هذا العالم البائس.

استفاقت دمشق ذات يوم على رئيس منقلب على سلفه. جثم حافظ الأسد منذ عام 1970 على صدر الدولة والشعب. قاد حركة أسماها تصحيحية، وزج برفاق السلاح في غياهب السجون، أولهم صديق العمر صلاح جديد.

حكم البلاد والعباد تحت عنوان حزب البعث 29 عاما بالحديد والنار. وورث ابنه ونسف مفهوم النظام الديموقراطي. استمر بشار الأسد في سدة الحكم منذ عام 2000 - بعد وفاة والده وتعديل الدستور في مجلس الشعب السوري ليصبح على مقاسه - إلى أن فر العام الماضي.

والأسد الابن لم يرث دولة ومؤسسات فقط، لا بل حتى تحالفات إقليمية وعالمية. كان أبرزها التحالف السوري - الروسي، والسوري - الإيراني. وكان وقتها الظرف السياسي موفرا للمناخ المناسب الذي تتطلبه تلك التقاربات، على اعتبار أن العالم كان وقتها منقسما إلى معسكرات إن جاز التعبير.

بعد هروب الابن وجدت دمشق نفسها على موعد مع شخص يدعى أحمد الشرع. دخل القصر من الأبواب، لم يكلفه ذلك كثير من الدم والنار، خدمه بذلك جبن الرئيس الأسد الذي فر صاغرا تاركا خلفه إرثا كبيرا من الدمار.

هذا الحدث المفصلي في تاريخ سوريا والمنطقة برمتها، كان بمثابة إشارة، التقطتها المملكة العربية السعودية. وليس سرا أن الرياض كانت ترفض وتعارض تحويل سوريا إلى ساحة معركة، تقتتل بها مجموعات إرهابية جاءت من كل حدب وصوب، وعلى أساس طائفي مقيت، من شأنه إذكاء الفتنة.

تفهمت المملكة سريعا ضرورة انتشال سوريا من واقع حالها المرير. لذا زارها الشرع في أول رحلة خارجية. كما اتضح أنها أخذت منه وعودا بحزمة من الأمور.

وربطت الرياض دعم النظام الجديد بدمشق بتنفيذ الوعود، لماذا؟ لأنه لا يمكن تقديم خدمة بالمجان لدولة نحرتها الطائفية إبان حقبة الأسدين. إذن ما الثمن المطروح على الطاولة؟ إخراج المقاتلين من الأراضي السورية. وعودة سوريا إلى الحضن العربي.

صحيح أن الشرع كان يواجه عددا من المعضلات؛ على رأسها وجود سوريا على قوائم العقوبات الدولية، لكن نفوذ الدبلوماسية السعودية، استطاع تحقيق اختراق في هذا الملف، كان نتيجته رفع العقوبات عن سوريا من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو الماضي، حين كان يزور الرياض. ولحقت دول أوروبية بعد ذلك بأسبوع بالقرار الأمريكي.

هل انتهت أزمات الشرع عند هذا الحد؟ لا، وذلك نظير وجوده شخصيا على قوائم العقوبات الدولية. وقد رفع اسمه عن تلك القوائم قبل أيام، في خطوة لا يمكن أن تكون الرياض بمعزل عن تحقيقها.

فالسعودية كما هو معلوم تحاول الدفع بدمشق للانخراط في النظام العالمي، وهذا يمكن فهمه من خلال إقناعها الاعتراف بكوسوفو، واعتراف الأخيرة بالأولى.

وهذا بالمناسبة ملف شائك له اعتباراته وأهدافه، مثل ماذا؟ أولا: كسر نمطية النظام السوري السابق الذي يعارض الاعتراف بكوسوفو، تضامنا مع الرفض الروسي - الصربي، لاستقلال كوسوفو عن صربيا عام 2008. ثانيا: إرسال رسالة للعالم؛ بأن سوريا الجديدة تملك حق القرار الكامل - دون فرض وصاية من أحد - بتشكيل تحالفاتها المستقبلية. ثالثا: وضع حد لتمادي الباحثين عن نفوذ في سوريا، اقترب سابقا من فكرة الاحتلال.

والمقصود بذلك بزعمي؛ طهران بالدرجة الأولى، التي يصد عنها النظام السوري الجديد؛ و لموسكو التي زارها الشرع منتصف الشهر الماضي.

وعلى ذكر الزيارة، حري القول إن الطرفين استفادا منها، كيف؟ عزز القيصر مفهوم عدم ارتباط بلاده بالنظام الأسدي، بل بالشعب السوري. ربما لرفع الحرج أمام الرأي العام السوري، نتيجة دعمه للأسد سياسيا وعسكريا. وفائدة الشرع أنه فرض نفسه في المشهد الروسي، وعزل سوريا القديمة عن الجديدة، بناء على لغة المصالح لا علاقة الشخوص.

برأيي، إن السعودية استوعبت قبل الكثير، حتمية ملء فراغ المشاريع النافذة في سوريا القديمة. وموطئ القدم الذي بات فارغا بعد خروج «المشروع الإيراني، والإسرائيلي، والروسي، والتركي إلى حد ما»، بحاجة إلى سد وتعبئة، لكن بأسلوب الرياض الخاص، وليس بطريقة الآخرين.

فالبعض كما هو معروف يبحث عن ثمن مادي أو جيوسياسي، لتسجيل موقف إلى جانب سوريا الجريحة. أما السعودية لا تريد أكثر من إخراج البلاد من الأنفاق المظلمة التي دخلتها على مدى أكثر من خمسة عقود مضت.

بنهاية المطاف يمكن استنتاج أن الدبلوماسية السعودية التي دفعت بسوريا للواجهة الإقليمية والعالمية، لا تبحث عن مصالح استراتيجية بأي شكل كان؛ بقدر ما تتحمل مسؤولية طرح مشروع عربي كبير، يقوم على التنمية وتبني الإنسان، وتعمير الأرض.

إن خطوات الرياض التي وثق بها الغرب قبل الأشقاء العرب، تمثل أحد أوجه وأشكال تغيير التوازنات في منطقة مضطربة، لا يمكن لها أن تكون منفصلة عن العالم الآخر.

ما يصنعه السعوديون بحاجة إلى تمعن، إنهم يقدمون دروسا في السياسة، والعلاقات الإنسانية، وضبط موازين القوى، وبناء الدول، وتضميد الجراح بالأخلاقيات لا بالنفعية.

لذلك.. تمكنوا من إعادة دمشق للعالم.

أخبار متعلقة :