اتش دي كورة

المروية العربية ومشروع النهضة - اتش دي كورة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المروية العربية ومشروع النهضة - اتش دي كورة, اليوم السبت 8 نوفمبر 2025 06:01 مساءً

يظل مشروع النهضة أحد المحركات الفكرية التي لم يتمكن المثقف العربي من تقديم وصفة وافية لبلوغه، إذ وبالرغم من كثرة الحديث حوله، بل ومشاركة عديد من المفكرين العرب في التنظير له على اختلاف مشاربهم المعرفية وتوجهاتهم الفكرية بين يمين ويسار، إسلامي وعلماني، وذلك عبر إصداراتهم المعرفية المتعددة، ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، كما هو الحال مع الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وقاسم أمين وفتحي زغلول وسلامة موسى وطه حسين والأمير شكيب أرسلان، وغيرهم، مرورا بمحمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن وعبد الله العروي وحسن حنفي ومحمد جابر الأنصاري، وغيرهم، وصولا إلى مثقفي الوقت الراهن في مختلف أرجاء العالم العربي من مثقفين نذروا أنفسهم للحديث حول سبل النهضة وأدواتها كما هو الحال مع إبراهيم البليهي في المملكة العربية السعودية وغيره.

على الرغم من كل تلك الأطروحات التي قيلت، والكتابات التي دُبّجت، والمحاضرات التي ألقيت، إلا أننا وعلى الصعيد المعرفي لا نزال بعيدين عن بلوغ الطريق الأقوم للبدء بمشروع نهضة عربي نحقق فيه ومن خلاله آمالنا المرجوة بأن نكون فاعلين ومشاركين ومؤثرين على الصعيد المجتمعي والمؤسسي في قطار الحضارة الإنساني بوجه عام، وما حققناه اليوم لا يعدو أن يكون فرديا من حيث هويته، وتابعا لمفاهيم وأدوات مشروع النهضة الغربي، وهو وإن كان إنجازا معرفيا لكنه من حيث هويته وانتمائه تابع لمشروع معرفي آخر، ليس لنا على الصعيد المؤسسي أي أثر فيه.

في هذا السياق فمهم أن نفرق بين الحضارة كمفهوم ودلالة في مقابل المدنية كمفهوم ودلالة، إذ ترتكز الحضارة على بنية فكرية فلسفية تؤسس لكثير من المشاريع المدنية، ويتمثل نتاجها في نماذج مختلفة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الحياتي وصولا إلى السياق الإيماني؛ وبالتالي فكل مجتمع مدني ينطلق في تكوينه من بعد فكري وسلوك فلسفي خاص به، هو مجتمع حضاري متين في قواعده التي يرتكز عليها، وهو ما نشهده في المنظومة الحضارية الغربية التي تأسست أنظمتها المدنية على قواعد فكرية فلسفية رصينة استغرقت قرونا طويلة من البحث والنقاش حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، حيث كانت البداية مع عصر النهضة الذي بدأ المفكر الأوروبي في ولوجه بعد ترجمته وهضمه لمرتكزات الحضارة العربية الإسلامية عبر استفادته من معابر الاتصال المعرفي، وتحديدا من خلال الأندلس التي ظهر فيها الكثير من الفلاسفة المسلمين وعلى رأسهم الفقيه والعالم ابن رشد، علاوة على مملكة صقلية التي استضاف بلاطها عديدا من العلماء والمفكرين المسلمين، إضافة إلى حالة الوصال المعرفي خلال فترة وجود الإمارات الصليبية في القدس وبعض المدن الشامية.

خلال تلك المرحلة عمل علماء عصر النهضة في أوروبا على تبني مختلف الأفكار الفلسفية والعلوم التجريبية التي أبدعتها الحضارة العربية الإسلامية، لكنهم لم يكتفوا بذلك، بل بذلوا جهدهم لهضمها وفق سياقهم الذهني، فكان أن أمعنوا في تجلياتهم بعدئذ، ثم أعادوا إخراجها بقالب يتناسب مع هويتهم المعرفية، وهو ما قام به علماء الأنوار ومن تلاهم، وصولا إلى بلوغ الحداثة وما بعد الحداثة.

ذلك كان مسارهم، وتلك نتائجهم التي نقتبس منتجاتها اليوم ودون أن ندرك بعدها الحضاري في أصل تكوينها، ولهذا كان إخفاقنا أكثر من نجاحنا في تطبيق نماذجها سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي وصولا إلى السلوك الحياتي، والنماذج على ذلك عديدة ليس المجال لبسطها تفصيلا.

وحتى نصحح المسار ونضع أقدامنا على أول الطريق المؤدي لمشروع نهضتنا، نحتاج أن نراجع خطة مسيرنا في تبني مشروع النهضة، وندرك أن مشروع الحضارة وإن كان في أساسه مشروعا إنسانيا، لكنه يعتمد في بنائه على السياق المعرفي لكل أمة من الأمم، وهو ما اهتمت له الصين، ونفذه الروس، وتسعى له الهند، وغيرها من الدول التي تدرك طبيعة وهوية المفتاح الحضاري بوجه خاص.

وفي يقيني فإننا كأمة عربية بحاجة إلى تصحيح مسارنا لنبني مرويتنا العربية المستندة إلى أساسنا المعرفي أولا، ولا يتأتى ذلك إلا بالتأكيد على قيمة اللغة العربية كأساس في سياقنا المعرفي، فاللغة وجود وهي هوية، ثم نعمل على إخراج كل المخطوطات العلمية العربية التي شكلت الأساس المعرفي لقيام النهضة الغربية إجمالا، ونقوم بتحقيقها علميا، وفهمها وفق سياقنا الذهني الذي حتما سيكشف مسارات حضارية غابت عن علماء عصر النهضة الأوروبيين، وحتما سيقودنا ذلك إلى بناء رؤية فلسفية فكرية خاصة بنا تكون مرجعا تأسيسيا لنهضتنا المدنية دون أن ننفي الآخر وما بلغه من تقدم ورقي.

إنها المروية العربية التي تعمل الأميرة مها الفيصل على وضع لبنة متينة فيها ضمن مشروعها المعرفي بمركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، وأرجو أن تحقق بعض المراد، وتصل لشيء مهم من الغايات.

أخبار متعلقة :