نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سقوط الأقنعة وارتقاء القناعات - اتش دي كورة, اليوم الخميس 6 نوفمبر 2025 03:21 صباحاً
نعيش حاليا ما أسميه أزمة الوجوه الاجتماعية، حيث أصبح الفرد يتأرجح بصمت بين ما يظهر وما يبطن، وباتت الأقنعة تلعب أدوارا بطولية ضمن مسرحية العقل الجمعي وقيامهم بصياغة السلوكيات اليومية التي تعيد تشكيل ذواتنا وقولبتها حين تبدو الوجهنة الزائفة وسيلة للبقاء بدائرة المجتمع، لكنها في العمق تعبر عن مأزق أخلاقي ونفسي بالتنازل عن الذات الحقيقية لصالح القبول الاجتماعي، وبرأيي، إن هنالك أربعة أدوار شكلت ذلك المشهد:
أولا: ارتداء الأقنعة كآلية دفاع يواجه بها الفرد مجتمعه ليتكيف مع متطلباته وتوقعاته؛ هذا القناع اعتبره أسلوب بقاء يتيح للفرد التفاعل المتبادل دون تعرية ذاته الداخلية أمام الآخرين؛ وتكمن المشكلة حين يتحول القناع لهوية بديلة تمحي الذات الأصيلة خلف طبقات متراكمة من التمثيل العام.
ثانيا: اتخاذ المجاملات المبالغ فيها كأداة نفعية بقيام الأغلبية على جملة من الأعراف والطقوس لحياكة النسيج المجتمعي، حتى يبقى مستمرا تجنبا للتصادم المباشر مع الآخرين؛ الأمر الذي يحول المجاملة إلى قاعدة مستهلكة لا تنكسر فيصبح الصدق خطيئة اجتماعية وحينها تقاس القيمة بمدى التكيف لا بعمق القناعة.
ثالثا: العقل الجمعي وضغط التماثل الذي يجعل الأفراد داخل الجماعة يفقدون استقلالهم النفسي لصالح الروح الجماعية التي تسيرهم بلا وعي ضمن سيكولوجية الجماهير وتحت مظلة شبكات التواصل الاجتماعي وخلال ما يسمى حديثا بـ»الترند»، لإخضاع الناس بضغط غير معلن تماهيا مع الرأي السائد أو الموقف الشعبي خشية العزلة أو التهميش؛ وهكذا يتم استبدال القناعات الفردية بالأقنعة الرقمية التي تضمن القبول الجمعي على حساب الصدق الداخلي.
رابعا: ثمن التنازل عن الذات الواقعية، حيث تشير دراسات علم النفس المعاصر إلى أن الانفصال بين الذات الحقيقية والذات الاجتماعية يولد اضطرابات الهوية، وتزداد تدريجيا معدلات القلق والاكتئاب عندما يعيش الإنسان حياة مزدوجة بين ما يؤمن به وما يجبر على إظهاره، فتتآكل قدرته على الإحساس بالمعنى، ويتحول التفاعل الاجتماعي لساحة كبيرة يتم اللعب على أرضها، واللاعب المحترف يبرز أداءه ضمن السياق العام.
لذلك يرى الباحثون بمجال علم نفس الشخصية أن الصدق العاطفي والانسجام بين الداخل والخارج شرطان أساسيان للاتزان والراحة؛ وهنا نستطيع القول إن الأزمة ليست في ارتداء الأقنعة، بل في نسيان الوجوه الحقيقية خلفها عندما يصبح الإعجاب الجمعي أهم من القناعات الشخصية، حينها يفقد المجتمع بوصلته الأخلاقية، ويذوب الأفراد في كتلة بلا ملامح.
أرى أن هدم الأقنعة يحتاج لتحرير الوعي تدريجيا من وطأة الخضوع الأعمى للعقل الجمعي واستبدال ثقافة التزييف بثقافة الاعتراف الجاد بأننا نقول ونعمل ما نؤمن به ضمن الأطر الشرعية الرصينة والعرفية الراقية، باحترام الاختلافات والبعد عن الخلافات لاستعادة الأخلاقيات والوصول لذلك التوازن المأمول بين الوضوح الشخصي من جانب والتكيف العام من جانب آخر.
Yos123Omar@
أخبار متعلقة :