نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حتى الشوكولاتة - اتش دي كورة, اليوم الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 10:57 مساءً
وقد استقالت المخطوبة من عملها تلبية لشرط العريس، ثقة بوعد الزواج، ليفاجئها لاحقا بطلب استعادة الهدايا بعد تراجعه. وكأن الخطبة صفقة تجارية خاسرة يريد فيها استرجاع رأس ماله!؟ فأي مروءة تدفع رجلا للجوء إلى القضاء من أجل جوال وخاتم وساعة؟
المهم أن محكمة الأحوال الشخصية قضت برفض الدعوى، وألزمت الخاطب بتحمل تكاليف القضية وأتعاب المحاماة، مؤكدة أن الهدايا هبة غير قابلة للاسترداد. وهو ما يبقي المسألة خاضعة لتقدير القاضي وفق ملابسات كل حالة، ويتفق مع ما تعمل به أنظمة قضائية أخرى كالمصرية والفرنسية، التي تفرق في الحكم بحسب من تراجع عن الخطبة. ففي مصر، مثلا، يحق لأحد الطرفين طلب التعويض إذا ثبت أن الطرف الآخر أساء استخدام حقه في العدول عن الخطبة. وفي فرنسا، يعاد خاتم الخطبة إذا كان الفسخ من جهة العروس، أما إن كان العريس هو من تراجع، فتحتفظ العروس به. وفي أمريكا رفع الملاكم ديفين هاني دعوى قضائية بلغت تكلفتها أكثر من 350 ألف دولار، لاستعادة هدايا قدمها خلال فترة خطوبته، منها حقائب "هيرميس" فاخرة وساعة ثمينة، بعد أن أنهت خطيبته العلاقة. استند في دعواه إلى قانون ولاية كاليفورنيا، الذي يلزم الطرف المتراجع عن الخطوبة بإعادة الهدايا أو دفع قيمتها المالية.
ولفهم أبعاد القضية، لا بد من النظر إلى زوايا متعددة؛ فشرعيا وأخلاقيا، يعد طلب استرداد الهبة تصرفا مشينا لا يليق بمن قدمها طوعا. أما اجتماعيا، فيمكن التعاطف مع الفتاة باعتبارها تخلصت من شريك بخيل لا يتحمل المسؤولية. لا أقصد هنا تصوير المرأة كضحية مطلقة، فليس كل عدول عن الخطبة نتاج تلاعب.. فقد يفاجأ الخاطب بأشياء غير متوقعة، بعد تقديمه هدايا باهظة وورود وشوكولاتة. في هذه الحالات، قد لا تعد المطالبة باسترداد الهدايا تصرفا مستغربا. لكن حين يختزل الارتباط إلى حسابات ربح وخسارة تفقد العلاقة معناها الإنساني. لذا، فالحل ليس بإدانة طرف بعينه، بل بتقنين مرحلة الخطبة بما يوازن بين الحقوق ويمنع الأحكام الاجتماعية المسبقة.
وهنا يبرز الإشكال الأكبر: حين يعاد تعريف الرجولة بطريقة تكرس هذا النمط من العلاقات التي تصور الزواج كخطر، والاستقلال الوظيفي كملاذ أكثر أمانا من تقلبات الرجال. فما زال الخطاب الشعبي يقول "الرجال ما يعيبهم شيء"، بينما تحمل المرأة وزر الفشل وحدها. مثل هذه السلوكيات تدفع النساء إلى إعادة ترتيب الأولويات في الحياة. فالمرأة لا تطلب أكثر من الأمان والاحترام والوفاء من رجل تشعر بأنه يغنيها عن العالم بأسره.
نعم، لقد تركت وظيفتها من أجله، لكن ليس كل من فسخت الخطوبة بريئة؟ ولا كل من استرد الهدايا مذنب؟ لكن لماذا يفترض بالمرأة أن تتحمل الضرر النفسي والاجتماعي وحدها، دون حماية قانونية واضحة تضمن لها الحد الأدنى من الإنصاف؟ وإن فكرت في المطالبة بتعويض عن الأذى المعنوي الذي لحق بها، لا تجد في نظام الأحوال الشخصية السعودي الحالي نصا صريحا يدعم موقفها، فهي الطرف الأضعف الذي يتلقى الضربة ويطالبونها بالقبول حفاظا على الصورة الاجتماعية.
فليأخذ الهاتف والخاتم والساعة، بل وليسترد حتى الشوكولاتة... وله أيضا الفرص الجديدة، والمجتمع الذي يمنحه حق تكرار التجربة. أما هي، فلها الألم والوصمة والهمس المتكرر باسمها في المجالس. وهنا يكمن الخلل الحقيقي الذي لا يعالج بالحديث عن المروءة وحدها، بل بمواجهة الجذور العميقة للمشكلة: المنظومة القانونية، الثقافة الذكورية التي تحمل المرأة تبعات الفشل، غياب التثقيف العاطفي والدعم النفسي، وتردد المجتمع في تقنين مرحلة ما قبل الزواج.
وفي النهاية، تبقى المسألة في جوهرها رهينة الموروث الاجتماعي والقيمي: الكرامة، السمعة، والأثر النفسي العميق. لذلك جعله الله "ميثاقا غليظا"... لأن المروءة الحقيقية تظهر عند التخلي، وإلا... فعلى الدنيا السلام.
أخبار متعلقة :