اتش دي كورة

أبي... البداية التي لا تنتهي - اتش دي كورة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أبي... البداية التي لا تنتهي - اتش دي كورة, اليوم الاثنين 3 نوفمبر 2025 09:53 مساءً

كل إنسان في هذه الحياة يحمل في داخله حكاية لا تشبه سواها، غير أن هناك حكاية تبقى الأكثر دفئا وصدقا، تلك التي تبدأ بـ»أبي» ولا تنتهي مهما امتد بنا العمر.

الأب ليس مجرد حضور في الحياة، بل هو معنى الاستقرار حين تهتز الأشياء، وهو ملامح الطمأنينة حين تضطرب الوجوه، وهو الدعاء الذي يسبق أبناءه إلى السماء قبل أن يحتاجوه.

حين أستعيد ملامحك يا أبي، أرى فيك صورة الحلم الذي لم يكتمل إلا بك. كنت في حياتي المعنى الأجمل للقدوة، والرجل الذي علمني أن العظمة لا تكون في الثراء ولا في المناصب، بل في الصدق، والعدل، وفي أن يكون الإنسان نقيا أمام الله قبل أن يكون محبوبا عند الناس.

كنت تزرع فينا حب العطاء دون أن تسميه فضيلة، وتعلمنا الصبر دون أن تلقي محاضرة في الحكمة. كنت تمارس الخير ببساطة، وتتركه يزهر فينا كما لو أنه جزء من الفطرة.

رحلت يا أبي... ولم ترحل صورتك.

رحلت عن الدنيا، لكنك بقيت في كل زاوية من حياتي. في صوتي حين أتحدث بثقة، في قراراتي حين أختار بثبات، في صلاتي حين أرفع يدي بالدعاء لك، وفي دمعة تختبئ حين يمر اسمك صدفة في حديث.

كل ما فيّ منك ما زال حيا: ملامح وجهك، دفء كفك، وحتى تلك الكلمات القليلة التي كنت تهمس بها كلما ضاقت بي الحياة «اصبري يا ابنتي، فالله لا يخذل من نوى الخير».

أبي...

علمتني أن لا أستسلم، وأن أواجه الحياة بطمأنينة لا تشبه سواك. كنت تقول دائما «من عرف الله حقا، لم يخف شيئا».

وحين رحلت، فهمت أنك تركت لي ما هو أثمن من أي إرث مادي: تركت لي الإيمان، واليقين، والرضا بما كتب الله.

كم اشتقت لتفاصيلك الصغيرة التي لا يدركها سواي... لصوتك وأنت تدعو لنا واحدا واحدا، لابتسامتك التي كانت تسبق كلماتك دائما.

اشتقت لوجودك الذي كان يرمم في كل كسر بصمت جميل.

وحين أراك في أحلامي، أدرك أن الأرواح الطيبة لا تغيب، وأنك في مكان أجمل مما أظن.

أدرك أن الله حين يأخذ منا من نحب، لا يغيبهم تماما، بل يجعلهم ظلا يرافقنا في الدعاء، في السكون، وفي لحظات الامتنان.

رحلت...

لكنني ما زلت أراك في كل إنجاز أهديه إليك، وفي كل لحظة نجاح أستمد منها قوتك.

كنت تقول دائما «افعلي الخير، وإن لم يرك أحد».

واليوم أجد نفسي أكمل طريقك، أزرع ما زرعت، وأكرر في داخلي كلماتك نفسها حين تضيق الحياة «اللهم كما علمني أبي أن أكون قوية، اجعلني كما كان يريد».

سلام عليك يا أبي، في كل لحظة حنين، وسلام على ذكراك التي لا تغيب.

سلام على دعائك الذي ما زال يفتح لي أبواب الرحمة كل صباح، وعلى سيرتك التي تبقى زادي في الطريق كلما خفت من العثرة.

اللهم اجعل أبي في عليين، في دار لا يفارقها النعيم، ولا يمسها حزن ولا وجع، واجعل منازل الصالحين مقامه، ومن نهر الكوثر شرابه، ومن الجنة داره ومأواه.

وإن جمعني الله بك في دار الخلود، فأسأله أن يجعلني من عملك الصالح، ومن بذرة دعائك الطيب، كما كنت أنت فخري في الدنيا.

أخبار متعلقة :