نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف نصنع مواطنا يعرف حدوده وحقوقه داخل المحكمة؟ - اتش دي كورة, اليوم الأحد 2 نوفمبر 2025 09:53 مساءً
إن كثيرا من النزاعات تبدأ صغيرة وتنتهي كبيرة، لأن أصحابها دخلوا المحكمة بعقلية انتقام لا إصلاح. والوعي القانوني هو الفارق بين من يرى القضاء خصما، ومن يراه ميزانا يزن الجميع بإنصاف. ومن هنا، يصبح بناء ثقافة المتقاضي مشروعا وطنيا لحماية العدالة قبل أن يكون توجيها للسلوك.
نقول: القانون منح المتقاضي الحق، ومع ذلك، نشهد أحيانا متقاضين يسيئون استخدام هذا الحق، فيطيلون الجلسات بمذكرات مكررة أو يرفعون دعاوى كيدية لأغراض شخصية. هذا السلوك لا يرهق المحكمة فحسب، بل يسيء إلى صورة العدالة في نظر المجتمع. ومن الأمثلة أن أحد المدعين خسر حقه لأن دعواه تكررت ثلاث مرات في موضوع واحد، فحكمت الدائرة باعتبارها "دعوى كيدية"!! نحن في السياق لا نحاكم النوايا بل نعتقد أنه لا يعرف كيف يتعامل مع الأدوات العدلية للوصول إلى حقه بصورة صحيحة غير خاطئة أو مخالفة للنظام.
إذاً فإن معرفة الحدود هي أول خطوات احترام الحق، والجهل بها هو أول طريق خسارته. وكذلك كثير من القضايا لا تفقد بالظلم، بل بالجهل. وهناك الكثير من الأمثلة والوقائع التي حدثت، منها أنه أحد المواطنين يعمل في القطاع الخاص ورفع دعواه بعد مضي سنة من الواقعة، فرفضت المحكمة دعواه شكلا لأن التقادم الزمني تجاوز المدة المنصوص عليها في نظام العمل. وآخر خسر حقه في الطعن لأن لائحته لم تقدم خلال المدة النظامية المحددة في نظام المرافعات. هذه الأخطاء المتكررة سببها غياب الثقافة الإجرائية لدى العامة، الذين يرون النظام متاهة لا خريطة. لذلك، فإن تعزيز فهم المواطن للإجراءات لا يقل أهمية عن فهمه لمضمون الحق. فالمعرفة بالنظام تمنح ثقة، والجهل به يورث ضياعا، والعدالة لا تنفع من لا يعرف بابها.
إن المحامي في جوهر رسالته ليس مدافعا فقط، بل معلم عدل يرفع وعي المجتمع بالقانون. وعندما يحسن المحامي توجيه موكله، فإنه يختصر على القضاء طريق النزاع، ويحول الخصومة إلى نقاش منضبط.
ولكن للأسف (بعض) المحامين يتعامل مع الدعوى كصفقة، فيغفل جانب التثقيف، بينما المحامي الحقيقي يزرع في موكله أدب الخصومة قبل مهارة الدفاع ، فالمحامي الذي يعلم موكله احترام النظام يرفع سمعة العدالة كلها. وإذا ضعف هذا الدور، تحول الدفاع إلى صخب، والعدالة إلى تراشق.
وكذلك الإعلام المعاصر قادر على رفع مستوى الوعي، لكنه في الوقت نفسه قادر على هدمه إن تحول إلى أداة تضخيم. حين يتناول الإعلام قضايا منظورة بأسلوب مثير أو يروج تفاصيل الخصومات، فإنه يزرع لدى الناس صورة خاطئة عن القضاء وكأنه ساحة تنافس لا إنصاف. المطلوب أن يكون الإعلام العدلي شريكا في تثقيف المواطن، لا في تأجيج عواطفه.
نشير إلى بعض أعمال وزارة العدل الجيدة مثل إطلاق منصات "ناجز" التي تقدم نماذج توضيحية للحقوق والإجراءات. لكن هذه الجهود تحتاج إلى إعلام متخصص يشرح بلغة سهلة ما لا يدركه العامة من مصطلحات النظام. فإذا استخدمت وزارة العدل مثلا وسائل إعلامية غير محترفة في العمل الإعلامي فإن ذلك يربك العدالة أكثر مما يخدمها - وهذه وجهة نظري - من حيث الموضوع الذي أطرحه لصناعة مواطن واع بالإجراءات والآداب والحقوق أثناء دخوله في الجلسات القضائية الافتراضية أو غيرها.
نلاحظ بشكل واضح أن المملكة بدأت بخطوات رائدة في ترسيخ الوعي القانوني من خلال التشريعات المتنوعة التي تخدم وتواكب متغيرات العصر الحديث على الأصعدة كافة، ولكن مما نطمح إليه أن يكون هناك تكثيف من وزارة العدل في إنتاج وسائل إعلامية خصوصا على (منصات التواصل الاجتماعي ) بحيث تكون أداة لنشر برامج توعوية لفهم المتغير من التشريعات النظامية، وهذا حق مكتسب للمواطن ليس لأحد منة فيه لأنه واجب وطني أن يعرف المواطن ما هي الأنظمة التي تحكم سلوكه ويجب أن يمتثل لها طوعا أو كرها.
أعتقد أن ذلك موجود في استراتيجية وزارة العدل (ولكن) ما يتطلع له المتابع والمهتم بصناعة مواطن واع قانونيا يتأمل من الوزارة أن يكون لها دور إعلامي منفرد خاص بها، خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي التي هي أقرب للمواطن، وتصله الرسائل مباشرة وبصورة يومية دون حواجز زمنية أو إجرائية. نتمنى من وزارة العدل - مثلا - أن تستهدف الأسر والمدارس والجامعات وغيرها. لكل شريحة بالمجتمع أسلوب وخطاب خاصان يوعيانها بالحقوق والالتزامات العدلية، وليس بالضرورة - يأخذنا الظن - أن التنوع في الطرح الإعلامي العدلي يخرج وزارة العدل عن وقارها المفترض، بل نقصد إعلاما يواكب المتغير في الوضع الاجتماعي والثقافي مع عدم الخروج عن خطوط التماس التي يتطلب ممن يعمل في إدارة الإعلام أو غيرها أن يفرض على نفسه سلوكا مهنيا يحمل رسالة الجهة التي يعمل بها.
نحن نحمل وزارة العدل عبء تثقيف المواطن وصناعة وعي معاصر يدرك أهمية الالتزام بالقانون والعدالة، ولنا دور كذلك نحن الإعلاميون لن نتخلى عنه، نساند به الجهات ذات العلاقة في الوصول إلى الهدف وهو توعية المواطن قانونيا وعدليا، لأنه حينما نعود بالنظر للمواطن المتقاضي - الواعي - نجده هو ركيزة الأمن القانوني في الدولة الحديثة.
فحين يعرف المواطن حدوده وحقوقه، يقل التنازع، وتزداد الثقة بالقضاء، ويتحول الخلاف إلى حوار منضبط داخل النظام. لا يمكن للإصلاح القضائي أن يكتمل ما لم يواكبه إصلاح ثقافي يعلم الناس أن العدالة لا تنال بالصوت العالي، بل بالمعرفة والاحترام. فالمحكمة مرآة المجتمع، ومن هنا، فإن الدعوة إلى نشر ثقافة المتقاضي ليست مطلبا قانونيا فحسب، بل واجب وطني لحماية العدالة من الجهل والانفعال.
كما أنه في حالة إنشاء إدارات متخصصة في وزارة العدل لأجل نشر الوعي العدلي - أعتقد - سيساهم ذلك في وضوح الإجراءات ورفع مستوى الفهم لدى المتقاضين. ومع ذلك، يبقى الوعي الشعبي بحاجة إلى دعم من الإعلاميين وهو دورهم الذي لا يمكن لهم أن يتنصلوا عنه.
ختاما: المواطن الواعي هو نتاج بيئة تعلمه الفرق بين الشكوى والحق، وبين الغضب والمطالبة المشروعة. وإذا استمرت هذه الجهود المشتركة بنهجها المتصاعد، فستتحول الثقافة العدلية من حملات موسمية إلى سلوك مجتمعي دائم.
أخبار متعلقة :